حين تحلق الأحلام وتعود خائبة
في نص ( خبايا الأحلام ) الشاعرة ( الق محمد ) بقلم عبد الحسين الشيخ علي
الشاعرة الواعدة ( الق محمد ) من مواليد البصرة خريجة قسم اللغة العربية ( بكلوريوس ) خطت لنفسها خطا ظاهرا في قصيدة النثر من خلال ما وجدته في قصائدها من رصانة اللغة واهتمامها بالمفردة الشعرية لتكون لنا صورا تجذب القاري الحذق والشاعر لمتابعتها والتعرف على أسلوبها المتميز في التراكيب الشعرية وبما أنها خريجة لغة عربية فهذا يعطيها زخما لغويا ونحويا لإظهار القصيدة بالشكل الرصين إلى حد ما إضافة إلى رهافة الإحساس والشعور المتدفق لديها فحين تمتزج اللغة الصحيحة مع الشعور ودقة ملاحظة الواقع تتكون لديها الفكرة الفاحصة لتحولها بعد ذلك الى جمل شعرية تعكس الواقع وهذا ما سنجده في تحليل وقراءة قصيدتها ( خبايا ألأحلام )
تقول الشاعرة ( الق ) ان قصيدة ( خبايا الأحلام ) مستقاة من نزف الواقع الذي ألقى بسلبياته على الصورة الشعرية بحيث تكون غاية في الحزن وهي محاولة منها ب إظهار التداعيات التي يخلفها الفقر والحروب والأمراض ففي المقطع الاول نلمس بأنها كانت في بحبوحة وسعادة تحلم كأي امراة او رجل في بدايات بلوغه وهو يتأمل بأنه سيفعل كذا وكذا لكنها فجأة اكتشفت ان الواقع بالضد من أحلامها وامنياتها لذلك وجدت انه كان مجرد تسكع بمعنى انها تجوَّل أو تتنزَّه على مهل وعلى غير هُدى او هامت على وجهها دون هَدَف (بينما كنتُ أتسكعُ بجلابيب أحلامي ) حتى انها وصلت الى ان تجعل من روحها أمنية غير متحققة كباقي أمنياتها التي أودعتها في أرجل حمام الزاجل وارادت ان تكتشف ما يجري من حولها في الازقة والبيوت فجعلت من روحها تطير مع تلك الحمامة وهو مجاز تريد من خلاله ان ترى نفسها والمجتمع والواقع هل يجعل من احلامها ولو جزء بسيط منها أن يتحقق الزاجل الذي كان قديما ينقل الرسائل بين الاحبة وهذه استعارة مميزة فوجدت ان كل ما حولها وما تراه ليس الا خيبة بكل مناحي الحياة والتي وصل إليها المجتمع بشكل عام والمرأة بشكل خاص لماذا ؟ هنا يتوارد السؤال ويقحم نفسه والجواب في نهايات القصيدة ذلك لأنها وجدت الواقع بكل أشكاله وتفاصيله ما هو إلا نزف من الم ووجع (نحيط ) لمرضى يئنون ولا من مسعف او من يوقف هذا النزف , وعوز وفقر وبكاء ونحيب وتداعي في كل شيء إذا ان كل الصور وحركة المجتمع ترسخ في الشعور إحباط يستنزف الوقت والعمر دون تحقيق شيء أو حلم معلق في دبابيس الوعود الكاذبة ,
في مقطع أخر تنزف الشاعرة كلماتها لانها رأت الليل في بلدتها مرتع للكلاب السائبة والنباح الذي يوحي بالرعب فالليل الذي كانت تحلم به كان في حلمها وجدان يتراقص على أنغام الامل وبان تكون الشاعرية والسكينة هي من تسكنه وجدته مكتظا بتلك الوحوش التي تمزق ستائر السكينة وتجعل من الليل عباءة للمتصارعين على جعل الحياة اشد وحشية .
تتوالى المشاهد المؤلمة في روح الشاعرة وتتوالى كانها ترى الأجساد تترنح في الضياع في ذلك السكير الذي غاب عن وعيه وقد تحول إلى مخلوق ليس من الجنس الآدمي حين شبهته بعقاب ينهش عصفورا ,
في المقطع الأخير من القصيدة وبعد ان تكدست كل تلك الصور المأساوية في وجدانها الذي عصفت به أعاصير الألم والواقع المرير الذي وصل اليه المجتمع والحياة صارت متجه إلى الموت البطيء الذي يبعث في النفس الالم والضياع الذي وجدته في الصبية الضائعون والأرامل النائحات خلف الجدران والذكريات العالقة على الجدران والمثكلات الناعيات بخفاء يتمثل جزعا لدى الشاعرة والم والذي يفقدها التوازن بعد ان تلملمت العتمة وتلاشى النور فتجمع روحها المبعثرة لتعود مجهدة الوجدان غير راغبة في البحث عن تلك الخبايا .
وأخير أقول أن الشاعرة اعتمدت على الفكرة في كتابة النص الشعري أعلاه وهو العمل الذي يقوم به العقل، حتى يتمكّن من تصوّر شيء مجهول لاستحضاره، مثل التخيّل والتذكّر والتمييز وغيرها، حيث يلجأ الشعراء من خلال الفكرة، إلى طرح موضوعٍ معيّن ومناقشته، فهي أساس العمل الفنيّ، ومن خلالها يتمكّن القارئ من استخلاص الهدف، والصور التي عبّرت عنها الشاعرة .
خبايا الأحلام
بينما كنتُ أتسكعُ بجلابيب أحلامي
خبأت روحــي بِصرّةِ ِالأمنيات
وأودعتها
حمام الزاجل
وامتطينا
صهوة الريح
أُلــوِّحُ بيدي إلى الأسفلِ
ليـلًا
أترنحُ بين الغيوم
فوق الطرقات
الأزقة خالية
عراك كلاب
سائبة
اشتد نباحها
احتفاءً
بولادة قطة شهباء
خلف إحدى المحال
يدوي السكون لِـ لحظة ٍ
ويثور
بـأخرى
كـ ثوران غاز من فوهة بركان
بـإحدى المـداخن
سكير ينهش نعله
بإطراف خيبته
كما ينهش العقاب عصفورًا آيل للسقوط ِ من غصن ٍ رطبٍ
يعـم صمت أكياس القمامة من جهة
ويتعالى صراخ قمامة الدور من أخرى
أنـين سرير
صدى صراخ الجدار
أجساد أنهكها الدمع
فتجهش
بالنَّحيط
صـبية مواجع
خلف أكوام الجدران
تقتات بقايا أعوام
عالقة بمصيدة الفئران
تُطبق على أيامها
وتقطــع ذنبها
فتمضي..
خلف الجدارن
نساء ثكالى
تنعى خفاءً
عمياء تُمسد بأصابعها
ملامح صور
جدران خرساء
تُلملمُ شظايا الــدّمــعِ
خلسةً مـن شُــرفة اللـيـالــي
عــجـوز يلـتهم الذكـريـات
بِـعــلبـة دواء
وعـــكاز خـلفَ الـبـاب
مُـــعلق عـليه مـوعد غرام
هيـام الشَّبــاب
قــرب الـتّرع
تُعطى الــجُـــرع
قـــبل نــيل اقتــرافـِـها
حَنـِين فَـوْضَـوٍي ٌّ
توازُنٌ مُخْتَـل ٌّ
مــــا عــــدْتُ أرغــــبُ
للـــخـــبايــا
أطــــيــر
عبد الحسين الشيخ علي